الحلول القرآنية لظواهر تهدد المجتمع (أطفال الشوارع أنموذجا)

 

شارك المقال

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on telegram
Telegram
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on linkedin
LinkedIn

إقرأ ايضا

حض الإسلام منذ الإنسانية الأولى على رعاية الأطفال وخاصة اليتامى والمشردين وجعل الأمة كلها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن رعاية هؤلاء الأطفال, وفي بعض الاحيان تتفاقم مشكلة أطفال الشوارع بشكل خطير في الكثير من بلادنا العربية حتى أصبحت بمثابة القنبلة الموقوتة التي ينتظر انفجارها بين حين وآخر، وهؤلاء الأطفال في تزايد مستمر نظرا لظروف معينة, مما يجعلهم عرضة لتبني السلوك المنحرف والإجرامي في المجتمع. وتظهر البحوث الاجتماعية التي تجرى على أطفال الشوارع تعددا للعوامل التي تؤدي إلى ظهور وتنامي المشكلة ويتفق أغلبها على أن الأسباب الرئيسية للمشكلة هي الفقر، الحروب , البطالة، التفكك الأسري، إيذاء الطفل، الإهمال، التسرب من المدارس، عمل الأطفال، الفساد الاداري, الأفكار المنحرفة وعوامل أخرى اجتماعية نفسية لها صلة بالمحيط الاجتماعي أو شخصية الطفل, ويتعرض الأطفال أيضا لرفض المجتمع لكونهم أطفالا غير مرغوب فيهم في مناطق مجتمعات معينة بسبب مظهرهم العام وسلوكهم, بالإضافة إلى تعرضهم لمشكلات صحية مختلفة، ومشكلات نفسية بسبب فشلهم في التكيف مع حياة الشارع, نناقش في هذا البحث ظاهرة أطفال الشوارع للبحث عن الحلول المناسبة لهذه الظاهرة التي تعتبر في مقدمة المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العربي والعالمي. وقد تناولت في المبحث الأول مبدأ المسؤولية المشتركة وتناسي البعض لالتزاماته وواجباته تجاه هذه الشرائح, وفي المبحث الثاني نظرة قرآنية تفسيرية على الايتام وابن السبيل, ثم في المبحث الثالث ذكر واقع قاسٍ وحقيقة مؤلمة فيما يتعلق بأطفال الشوارع, ومقارنة مع ماضٍ مشرق, أما المبحث الرابع فقد بين مصارف الزكاة, وإهمال حصة أبناء الشوارع من الزكاة والصدقة, الذين يشكلون نصف مصارف الزكوات والصدقات, ثم جاء المبحث الخامس ليبين وسائل وخطوات لعلاج ظاهرة أطفال الشوارع, وانتهاءا بالخاتمة. المبحث الأول أطفال الشوارع مسؤولية مشتركة المطلب الأول : أطفال الشوارع مسؤولية صاحب السلطة إن الإسلام يعتبر أن الدولة مسؤولة عن رعاية الأطفال الذين لا يعرف لهم أهل سواء كانوا يتامى أو لقطاء أو هجروا بيوتهم نتيجة ظروف قاسية, والدولة هنا يمثلها ولي الأمر في كل منطقة فهم من رعية ولي الأمر هذا وكل راع مسؤول عن رعيته, ولذا يجب الاهتمام بالوضع الاجتماعي لهذه الرعية وإنشاء الكثير من الدور التي يكون عليها إشراف دقيق لرعاية هؤلاء الأطفال أو وضع البعض منهم إذا زادوا على الاستطاعة عند أسر تتولى رعايتهم ويصرف لهذه الأسر مقابل مادي بشرط الرقابة الشديدة أيضا على وضع هؤلاء الأطفال في هذه الأسر. قال تعالى في حق الأطفال (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(1) لذلك وردت هذه الآية لندب الوالدات المطلقات إِلى رعاية الأطفال والاهتمام بشأنهم(2). ثم حذر النبي (ص) من التهاون في حقوق هذه الشريحة فقال : ” اللهُمَّ مَنْ رَفَقَ بِأُمَّتِي فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَشُقَّ عَلَيْهِ”(3) أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَدَلَ فِيمَا تَقَلَّدَهُ مِنْ خِلَافَةٍ أَوْ إِمَارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ حِسْبَةٍ أَوْ نَظَرٍ عَلَى يَتِيمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَقْفٍ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ(4). المطلب الثاني : أطفال الشوارع مسؤولية الكبير ما من إنسان إلا قد وكل إليه أمر يدبره ويرعاه. فكلنا راع وكلنا مطالب بالإحسان فيما استرعيه ومسؤول عنه أمام من لا تخفى عليه خافية، فإن قام بالواجب عليه لمن تحت يده كان أثر ذلك في الأمة عظيما. وحسابه عند الله يسيرا وثوابه جزيلا, وإن قصر في الرعاية. وخان الأمانة أضر بالأمة وعسر على نفسه الحساب, وأوجب لها المقت والعذاب. فإن فرّ في الدنيا من يد الإدارة، أو النيابة، أو برأه القضاء، أو لم يكن تقصيره داخل في حدود القوانين القائمة فإن حساب الله آت، وعقابه بالمرصاد. وكل امرىء بما كسب رهين(5). والطفل مسؤولية الكبير فهو في ذمته أبٌ تجب عليه نفقته وإيواؤه وتربيته وأمٌ تغذيه بلبن الحياة ودفء المعاني التي تربطه بها ويتخذ منها معنى الأمومة والانتماء للوطن الكبير الذي يعيش فيه ويتربى من أجل الدفاع عنه وصون كرامته وأرحام يتنافسون في معونته وكل من له صلة به، بمعنى أنه في كنفهم يعيش وبينهم يحيا, ويؤكد أن الإسلام حث على هذا ويكفي في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يرحم صغيرنا), يَعْنِي الصَّغِير من الْمُسلمين بالشفقة عَلَيْهِ والاحسان اليه(6), وأية رحمة تلك التي نتحدث عنها ونحن نرى صغارنا تحت ظلال الجسور وفي إشارات المرور وفي الحدائق وفي كل مكان غير نظيف ثيابهم مقطعة وأجسادهم عارية وأنفاسهم منقطعة, وتعاون المسلمين على البر يتحقق في أطفال الشوارع, اذن فنحن مأمورون برحمة الطفل لعجزه وبراءته عن قبائح الأعمال وقد يكون صغيرا في المعنى مع تقدم سنه لجهله وغباوته وخرقه وغفلته فيرحم بالتعليم والإرشاد والشفقة(7). واذا نظرنا نظرة تأمل الى حديث المسؤولية المشتركة, فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته، الإمام راع ومسؤول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسؤول عن رعيّته»(8), فالحديث دعامة كبيرة في القيام بالواجبات والحقوق. والإحسان في الأعمال والرعاية لما تحت اليد؛ وإنه ليقرر مسؤولية كل فرد فيما وكل إليه من نفوس وأموال ومصالح وأعمال. ثم أَنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ لِإِصْلَاحِ نُفُوسِهِمْ بِالتَّهْذِيبِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَإِصْلَاحِ أَمْوَالِهِمْ بِالتَّثْمِيرِ وَالتَّنْمِيَةِ، هُوَ خَيْرٌ مِنْ إِهْمَالِ شَأْنِهِمْ وَتَرْكِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ تَفْسُدُ أَخْلَاقُهُمْ وَتَضِيعُ حُقُوقُهُمْ، خَيْرٌ لَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِهِمْ، وَخَيْرٌ لِلْقُوَّامِ وَالْكَافِلِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ دَرْءِ مَفْسَدَةِ إِهْمَالِهِمْ، وَمِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِي صَلَاحِ حَالِهِمْ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْقُدْوَةِ فِي الدُّنْيَا، وَحُسْنِ الْمَثُوبَةِ فِي الْأُخْرَى, وهذا الأمر يَجْمَعُ النَّظَرَ فِي صَلَاحِ مَصَالِحِ الْيَتِيمِ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَغَيْرِهَا لِكَيْ يَنْشَأَ عَلَى عِلْمٍ وَأَدَبٍ وَفَضْلٍ(9). المبحث الثاني أبناء السبيل والأيتام إن المتأمل بحق والمتدبر بصدق في نصوص ومقاصد الشريعة الغراء يجد إحكاما وعلاجا لأطفال الشوارع المشردين الهائمين على وجوههم يبذلون جهودا مضنية للغذاء والكساء والنوم والأدهى والأمر أنهم ربما يستخدمون داخل عصابات تبتزهم وتقضي على ما بقي من آدميتهم. وإن من الحلول الأساسية لهذه الظاهرة هي تطبيق قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(10), فعندنا مصرفان الأول في سبيل الله بإقامة دور رعاية لائقة تؤمن وتوفر الحياة الكريمة لهؤلاء مع تعليمهم حرفة أو مهنة, والثاني معاملتهم كابن السبيل, فإذا كان ابن السبيل المنقطع عن أهله ووطنه، فالهائم على وجهه من الأحداث أشد حاجة فينفق عليه من هذا المصرف, فإذا تكاتفت الجهود الرسمية والأهلية تحل هذه المسألة مع الضرب بشدة على عصابات التسول التي تتاجر بهؤلاء الأحداث استدرارا للعطف. مع الإشارة الى أن الإسلام يتعامل مع أبناء المجتمع جميعا باعتبارهم أجزاء في جسد واحد ولهم حقوق على أسرهم ومجتمعهم كما أن للمجتمع عليهم حقوقا وواجبات، ومن هنا فإن علاج ظاهرة أطفال الشوارع تأتي في إطار اهتمام الإسلام بالطفولة ورعايتها سواء بالتربية أو التعليم أو العاطفة أو الرحمة, قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ شَيْءٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(11). ويؤكد أنه إذا كان الإسلام قد جعل للطفل على والده حقوقا إلى سن معينة فإنه جعل للطفل الذي لا يستطيع أبوه رعايته حقوقا على القادرين من أبناء المجتمع على ذلك، لأن الإسلام يعنى بحماية المجتمع ككل ونقائه من أسباب الفساد وهؤلاء الأطفال يمثلون بذرة لمجرمين عتاة إذا تركوا يكبرون في الشوارع لا ولاء عندهم لأحد ولا شعور بوطن أو مجتمع أو بأخلاق أو دين وهي الأمور التي تعصم الإنسان من نوازع الشر والوقوع في الجريمة. ثم إن النبي (r) قد شجع على كفالة اليتيم قولا وعملا, فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى(12), وهذا القول يضم فيما يضم أطفال الشوارع وبالطبع فإذا كان كافل اليتيم في هذا الوضع فإن المتخلي عن اليتيم وهو قادر له عقابه عند الله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)(13), وَهَكَذَا تَضَعُ الْآيَةُ أَمَامَنَا تَكَافُلًا اجْتِمَاعِيًّا فِي كَفَالَةِ الْيَتِيمِ، فَإِنَّهُ يَتِيمُ الْيَوْمِ وَرَجُلُ الْغَدِ، فَكَمَا تُحْسِنُ إِلَيْهِ يُحْسِنُ هُوَ إِلَى أَيْتَامِكَ مِنْ بَعْدِكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا كَانَ الْخَيْرُ بِالْخَيْرِ وَالْبَادِئُ أَكْرَمُ، وَإِنْ شَرًّا كَانَ بِمِثْلِهِ وَالْبَادِئُ أَظْلَمُ, وَمَعَ هَذَا الْحَقِّ الْمُتَبَادَلِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَحُثُّ عَلَيْهِ وَيَعْنِي بِهِ، وَرَغَّبَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَأَجْزَلَ الْمَثُوبَةَ عَلَيْهِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ، وَشَدَّدَ الْعُقُوبَةَ فِيهِ, وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ إِطَالَةٌ، وَلَكِنَّهُ وَفَاءٌ بِحَقِّ الْيَتِيمِ أَوَّلًا، وَتَأَثُّرٌ بِكَثْرَةِ مَا يُلَاقِيهِ الْيَتِيمُ وطفل الشارع ثَانِيًا, ثم ننبه الى أمر مهم أنه لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِسَاءَةِ إِلَى الْيَتِيمِ تَأْدِيبُهُ وَالْحَزْمُ مَعَهُ، بَلْ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ(14). وقوله تعالى: {فَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل … }(15) يدل في ظاهره على أنه يأخذ منك مع أنك مُقِلٌّ، وإن الشارع حكيم, فإذا ألزمك وأخذ منك فإنما ذلك ليعطيك إنْ احتجت، وكأنه يقول لك: اطمئن فقد أمَّنْتُ لك حياتك، إن أصابك الفقر، أو كنت في يوم من الأيام مسكيناً أو ابن سبيل، فكما فعلتَ سيُفعل بك, وهذه المسألة واضحة في كفالة اليتيم، فلو أن المجتمع الإيماني عوَّضه عن أبيه عملاً بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» لاطمأنَّ كلُّ أب على أولاده إنْ مات وتركهم؛ لأنهم في مجتمع يُعوضهم عن أبيهم بآباء كثيرين(16). المبحث الثالث حقيقة مؤلمة وماضٍ مشرق إن نوعا من الأطفال نشأوا في بيئة لا صديق فيها ولا قريب حيث أصبح الشارع لكل طفل أمه وأباه وما الشارع إلا هذا الفضاء الذي ربما لا ينحصر من ناحية الطول وانحصاره عرضا لا يوفر أمنا ولا أمانا، هذا بالإضافة إلى أن افتراش أرضه والتحاف سمائه لا يكون محضنا يهدهد فيه الجسم وتدفأ فيه النفس أو الفؤاد, إنها كلمة معبرة على كل حال وما تدل عليه هذه الكلمة إنما هي بيئة شاذة, وإننا إذا تأملنا هؤلاء الأطفال فسنجدهم نوعا من القنابل الموقوتة والمعقدة في الوقت نفسه وهذا النوع من القنابل يعد من الصناعات السيئة التي لا كوابح لها ولا قدرة لأحد على التحكم فيها. إن أول ما يخرج به الطفل من أطفال الشوارع على أمته هذا الجانب النفسي المعقد الذي يشعر صاحبه بالظلم والحرمان من غير ذنب جناه ومن غير جريرة ارتكبها، إلأ هذه الظروف الأمنية والأسرية والأقتصادية التي يعيشها الكثيرون. وأول العلاج أننا لا نريد يئساً ولا قنوطاً ولا استسلاماً لهذا الواقع  لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الذين في قلوبهم خلل, وإذا ما أردنا أن نعود بالمجتمع الإسلامي إلى مستواه الأول من الرقي فإنه ليس له من سبيل إلا أن نعود ببيئته الاجتماعية إلى ما كانت عليه من السلامة والطهر والنقاء. فلا بديل عن البيئة الصالحة لتكوين طفل يسعد أسرته وأمته وقد يعجز الأبوان عن تقديم بعض الخدمات للأطفال في ظروف استثنائية يتعلق بعضها بالاقتصاد أو يتعلق بعضها بفقد الأبوين، وهنا نجد الشريعة الإسلامية تنتقل بمسؤولية الأبناء أو الأسر على العموم التي تعيش في ظروف استثنائية إلى الأمة مقابل جزاء عظيم من الله سبحانه وتعالى، فاليتيم لا يضيعه إلا لئيم, ومصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة جزاء مكفول من الله عز وجل لكل من يرعى اليتيم ويخفف عنه آلامه، والفقر في المجتمعات غول اشتدت أنيابه ومن حاربه من الأمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرتبط به ارتباطا يشبه ارتباط النسب فقد قال (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو احتاج أولادهم إلى الطعام في المدينة جمعوا ما عندهم في ثوب واحد واقتسموه بالسوية فهم مني وأنا منهم)(17), فقد مدحهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعاون والتضامن والتكافل, وهذا الحديث يدل على أن الغالب على الأشعريين الإيثار والمواساة عند الحاجة، كما دلَّ الحديث المتقدِّم على أن الغالب عليهم القراءة والعبادة، فثبت لهم بشهادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّهم علماء عاملون كرماء مؤثرون, ثم إنه (صلى الله عليه وسلم) شرَّفهم بإضافتهم إليه، ثم زاد في التشريف بأن أضاف نفسه إليهم، ويمكن أن يكون معنى هم مني: فعلوا فعلي من القراءة والعبادة والكرامة، وأنا منهم: أفعل من ذلك ما يفعلون، كما قال بعض الشعراء: وَقُلتُ أَخِي قالُوا أَخٌ وكرامةٌ … فَقُلتُ لَهُم إنَّ الشُّكُول أقارِبُ نَسِيبي في رَأيي وعَزمِي ومَذهَبي … وإن خالفَتنا في الأمُورِ المَناسِبُ(18) إن ظاهرة أولاد الشوارع مزعجة ولن تختفي إلا إذا عدنا إلى هذه المنابع التي جففت أو كادت تنتهي. المبحث الرابع مصارف الزكاة وأطفال الشوارع من الممكن أن نقرر أن الحل يكمن في إعطاء الزكاة لأطفال الشوارع فالزكاة لها مصارف حددها القرآن الكريم في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ….وابن السبيل)(19) ويدخل أطفال الشوارع في نطاق هذه المصارف أي الفقراء والمساكين وابن السبيل لما يواجهونه من مآس عديدة في حياتهم. وقد شرعت الزكاة إغناء للفقراء وأخذا بيد الضعفاء وتحقيقا لما يسمى بمبدأ التكافل الاجتماعي لأن الإسلام يحض على التعاون ويكره التباعد والتنافر بين الناس، لذا حدد القرآن الكريم مصارف الزكاة تحديدا دقيقا واضحا لغاية معينة وهي علاج الفقر، ومواساة الضعفاء والعاجزين(20) ولا فقراء وضعفاء وعاجزين كأطفال الشوارع. ونجدد المطالبة بإنشاء مشروعات صغيرة تحول الأيتام والمساكين وأطفال الشوارع من عاطلين إلى منتجين, وتدريب الطفل على حرفة أو مهنة تلائم رغبته وبنيته الجسدية وما يجيده ويحسنه، على أن تتولى الإشراف على هذه المشروعات جهة رقابية تتوافر في أعضائها القيم الدينية والأخلاقية بجانب المهارة الفنية مع المتابعة المستمرة لهذه المشاريع الإصلاحية أولاً بأول. ثم ألا نرى – في المجتمعات غير الإسلامية – أن من الناس مَنْ يفكرون في إنشاء مؤسسات اجتماعية لرعاية الفقراء, بل ويقومون بإنشائها, إن عطف الإنسان على أخيه الإنسان هو أمر غريزي خلقه الله فينا جميعاً، ولذلك يجب أن نفهم أن الزكاة صدقة، ولو لم يشرعها الله لكان يجب أن يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان. وحوادث الكون كلها تدل على صدق وصف الحق سبحانه وتعالى للزكاة بأنها صدقة؛ لأنها تأتي تطوعاً من غير المؤمن وغير الملتزم بالتشريع، ويحس القادر بالسعادة وهو يعطي لغير القادر، وعي غريزة وضعها الله في خلقه ليخفف من الشقاء في الكون(21). فعلمنا أن المراد بهم كل من سعى في طاعة الله وسبل الخيرات كأطفال الشوارع والأيتام الذين انقطعت بهم السبل ولا مورد لهم من المال وطلبة العلم الفقراء، وابن السبيل وهو المسافر الذي بعد عن بلده ولا يتيسر له إحضار شىء من ماله فهو غنى في بلده، فقير في سفره(22). والتأكيد على أهمية إعادة تربية طفل الشوارع على القيم العليا والخلق الإسلامي والسلوك المستقيم بمعنى الإصلاح التربوي لهذا الطفل قبل أي إجراء آخر, وذلك سعيا لحل المشكلة والحد من تفشي هذه الظاهرة. المبحث الخامس وسائل وخطوات لعلاج ظاهرة أطفال الشوارع بما أن الظروف الأسرية السيئة نتيجة الطلاق أو الهجر والعيش في كنف زوج الأم أو زوجة الأب والفقر والأمية والانحطاط الأخلاقي وغياب الوازع الديني للوالدين والحروب والمواجهات المسلحة كثيرا ما تدفع الطفل إلى الهروب للشارع حيث يتعرض لكل أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني ويعاني من سوء المعاملة والحرمان النفسي ومن أجل توفير لقمة العيش يمارس مجموعة من الأعمال غير القانونية. فيكون علاج ظاهرة أطفال الشوارع من الأساس يجب أن يتم على خطوات أولاها النزول إليهم في مكان تواجدهم وتقديم الخدمة الصحية والغذائية والرعاية الاجتماعية لهم، وأن تتم هذه الزيارات بصفة دورية حتى يكسب الذي يسعى في حل هذه المشكلة والظاهرة ثقة هؤلاء الأطفال، وتتم خلال ذلك دراسة حالة كل طفل على حدة ويمكن تأهيل هؤلاء الأطفال واستقطاب بعضهم في مراكز إيواء وتعليمهم مهنا مختلفة أو إلحاقهم بالمدارس, بالإضافة إلى الكشف عن العوامل البيئية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة. نضيف الى ذلك أنه من الناحية النفسية فإن أطفال الشوارع يصابون بالقلق والتبول اللاإرادي إلى جانب بعض الأمراض النفسية الأخرى مثل الاكتئاب والعصبية والحقد على المجتمع، لأنهم يشعرون بعدم الأمان والظلم، أما من الناحية الجسدية فهؤلاء الأطفال معرضون لحوادث سيارات أو اغتصاب أو تعلم عادات سيئة مثل التسول والسرقة وإدمان المخدرات. ثم أن أطفال الشوارع بالرغم من أنهم يعيشون في المدن الكبيرة إلا أن معظمهم مصابون بمرض العزلة الاجتماعية الذي يعد من أخطر الأمراض التي تهدد المجتمعات الحديثة في العالم، لأنه يؤدي إلى انحسار الشخص في نفسه ويشعر بأنه مهمش ولا قيمة له في الدنيا ويفقد التخطيط للمستقبل ويسير في الشوارع بلا هدف ويفقد علاقته بالمجتمع ويعيش في جماعات وعصابات وبالتالي يشكل خطورة كبيرة على المجتمع. ويكون جزء من الحل يكمن في ضرورة تطوير البرامج في بلادنا مثل مكافحة الفقر والبطالة عموما وتفعيل البرامج التي تقوي العلاقات الأسرية وتفعيل نظام الضمان الاجتماعي وإنشاء مراكز تأهيل مهني ونفسي واجتماعي للأطفال مع ضرورة حماية الأطفال الموجودين في الشارع، من خلال التعامل معهم في الشارع نفسه، لتفادي المخاطر التي يتعرضون لها، وجذبهم تدريجياً إلى الرجوع إلى أسرهم، أو تشجيعهم على ارتياد المؤسسات الاجتماعية والشبابية في حالة عدم التمكن من إعادتهم إلى أسرهم أو لأسر بديلة، مع تفعيل دور الإعلام لرفع الوعي وتوعية الرأي العام بأهمية التصدي للمشكلة في مرحلة مبكرة، وعدم عدّ هؤلاء الأطفال مجرمين، بل ضحايا يستحقون الرعاية والاهتمام أكثر مما يستحقون الإدانة والإهمال. الخاتمة الحمد لله أولا وآخرا, فهذه خاتمة ألخص فيها أهم النتائج : 1. ضم هذه الجهود بعضها الى بعض مع بساطتها وقلتها وندرتها ولكن كما قيل: وقليل المال إذا ضم إلى مثله         صار بلا شك مالا كثيرا وبذلك يعود الحق لأصحابه وتتلاشى مشكلة أطفال الشوارع التي لم تكن في الأصل موجودة في عصر النبوة والخلافة الراشدة لرعايتهم لكل طفل مشرد. 2. اذا استطعنا أن نثبت ونقنع المجتمع أن الناس جميعا أمة واحدة بحكم الخلق والتكوين، وكان ذلك هو الذي ينبغي، ولكنهم اختلفوا من بعد, وبعد التأكيد على هذا المعنى الإنساني الجامع، فقد بين الله – سبحانه – حق الضعفاء على المجموع، أي على الأسرة والمجتمع والمؤسسات والدول، ووجوب رعايتهم وحفظهم من الضياع(23). 3. كثرت عناية الإسلام باليتامى؛ لأنهم قوة للأمة إن صلحوا، وقوة مدمرة في الأمة إن لم يصلحوا، إذ إنهم لو قُهروا ينشأون وبينهم وبين الناس عداوات مستمرة، ونفور يدفعهم إلى أن يكونوا مدمرين في الجماعة وعنصر تخريب، فإن أكثر الخارجين على الجماعة تبتدئ عقدهم النفسية في طفولتهم بالجفوة معهم، وحرمانهم من المودة والرحمة(24). 4. تفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة في حل أغلب الظواهر السلبية والممارسات الخاطئة, بل وحتى المشاكل التي في نظرنا من اختصاص السلطات مثل الأمن والاقتصاد وغيرها, فمبدأ المسؤولية المشتركة يلقي بظلاله الإيجابية بشكل يفوق التوقعات, ولكن بتوجهات مدروسة وخطا محسوبة وتخطيط ذو نظرة بعيدة. 5. أطفال الشوارع هم أبناء السبيل والأيتام والفقراء والمساكين الذين بغير مأوى مادي أو معنوي, وهم يشكلون نصف مصارف الزكاة والصدقات.
الهوامش 1. سورة البقرة – من الآية 233 2. صفوة التفاسير 1/135 3. صحيح مسلم 3/1438 , مسند أحمد 40/393 4. شرح النووي على مسلم 12/212 5. الأدب النبوي 1/48 6. التيسير بشرح الجامع الصغير 2/331 7. فيض القدير 5/389 8.  صحيح البخاري (7138) , صحيح مسلم (4701) , سنن الترمذي (1705) . 9.  تفسير المنار 2/273 10.  سورة التوبة – الآية 60 11.  صحيح مسلم 4/1999 , مسند أحمد 30/323 12.  صحيح البخاري 8/9 , مسند أحمد 37/476 13.  سورة الضحى – الآية 9 14.  أضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن 8/569 15.  [الروم: 38] 16.  تفسير الشعراوي 18/11456 17.  صحيح البخاري 3/138 18.  المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/452 19.  سورة التوبة – الآية 60 20.  التفسير الوسيط للزحيلي 1/876 21.  تفسير الشعراوي 9/5221 22.  تفسير المراغي 10/142 23.  زهرة التفاسير 3/1608 24.  زهرة التفاسير 4/1880 المصـــادر * القرآن الكريم . 1. صفوة التفاسير, المؤلف: محمد علي الصابوني, الناشر: دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة, الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1997 م. 2. مسند الإمام أحمد بن حنبل, المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ), المحقق: أحمد محمد شاكر, الناشر: دار الحديث – القاهرة. 3. المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ), المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي, الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت. 4. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ), الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت, الطبعة: الثانية، 1392. 5. الأدب النبوي, المؤلف: محمد عبد العزيز بن علي الشاذلي الخَوْلي (المتوفى: 1349هـ), الناشر: دار المعرفة – بيروت, الطبعة: الرابع، 1423 هـ. 6. التيسير بشرح الجامع الصغير, المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ), الناشر: مكتبة الإمام الشافعي – الرياض, الطبعة: الثالثة، 1408هـ – 1988م. 7. فيض القدير شرح الجامع الصغير, المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: 1031هـ), الناشر: المكتبة التجارية الكبرى – مصر, الطبعة: الأولى، 1356. 8. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري, المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي, المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر, الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي), الطبعة: الأولى،1422هـ. 9. الجامع الكبير – سنن الترمذي, المؤلف: محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ), المحقق: بشار عواد معروف, الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت. 10. تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار), المؤلف: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ), الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب, سنة النشر: 1990 م. 11. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ), الناشر : دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان, عام النشر : 1415 هـ – 1995 مـ. 12. تفسير الشعراوي – الخواطر, المؤلف: محمد متولي الشعراوي (المتوفى: 1418هـ), الناشر: مطابع أخبار اليوم. 13. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم, المؤلف: أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (578 – 656 هـ), حققه وعلق عليه وقدم له: محيي الدين ديب ميستو – أحمد محمد السيد – يوسف علي بديوي – محمود إبراهيم بزال, الناشر: (دار ابن كثير، دمشق – بيروت)، (دار الكلم الطيب، دمشق – بيروت), الطبعة: الأولى، 1417هـ – 1996م. 14. التفسير الوسيط للزحيلي, المؤلف : د وهبة بن مصطفى الزحيلي, الناشر: دار الفكر – دمشق, الطبعة : الأولى – 1422هـ. 15. تفسير المراغي, المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371هـ), الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر, الطبعة: الأولى، 1365 هـ – 1946 م. 16. زهرة التفاسير, المؤلف: محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ), دار النشر: دار الفكر العربي.

إقرأ ايضا