العمارة الاسلامية .. عمارة المقياس الانساني

 

شارك المقال

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on telegram
Telegram
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on linkedin
LinkedIn

إقرأ ايضا

كيف يمكن للعمارة ان تكون انسانية ؟ كيف يمكن للمباني وفراغاتها واقواسها وموادها, ان تكون انسانية ؟ وماهو مصدر انسانيتها ؟  في هذا المقال نستعرض كيف انعكس مفهوم المقياس الانساني في التكوين المعماري للعمارة الإسلامية وماهي  مصادره وماحمله من مفاهيم وقيم واحترام للانسان وهو ماتجسد  بابنية إنسانية على المستووين الفكري والشكلي. سنتعرف على العمارة الاسلامية التي شغلت الباحثين بجمالها وزخرفتها , بمساجدها وخاناتها , وقصورها , ومدارسها , و التي نشات وقامت في البلاد الاسلامية  كعمارة انسانية  من خلال مقياسها الانساني .
العمارة محتوى للفعاليات الانسانية
العمارة محتوى للفعاليات الانسانية بكل ماتتضمنه بنيتها من عناصر وعلاقات  وقواعد تنظيمية وهي انعكاس لقيم المجتمع وعاداته وتقاليده , لذا فهي تستوعب البعد الانساني للمجتمعات , وفي عودة سريعة للتاريخ وعبره نجد ان العمارة التي انتجتها حضارتنا الاسلامية وعلى امتداد بقاع الارض التي انار الاسلام فيها الارض عدلا وحكمة نجد مبانيها العظيمة شاهدا على ما أشاعه الاسلام بقيمه ومبادئه فجاءت مباني عمارته انعكاسا صادقا لتلك القيم والمبادئ , وحيث اثرت القيم والسلوكيات التي نبعت من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، تأثيرا كبيرا ومباشرا أو غير مباشر على البيئة المعمارية،  وهي القيم والسلوكيات التي تبني الإنسان وتبني بالتبعية محتواه العمراني، كما تبني المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا  ,وان حدس المصمم وبراعته وحكمته تغدو المؤشر الأمثل لخلق تصاميم تتسم بالبراعة في التعامل مع البعد الإنساني ولعل مثل هذا الحدس المرهف والإحساس الفطري لدى المعمار هما اللذان أسهما في إنتاج ذلك النموذج الخصب من العمارة الإسلامية المميزة التي لا زالت شواهدها ماثلة أمامنا حيث تنبض جميع الباحات والفناءات الوسطية للأبنية العامة والسكنية بأحاسيس حية وعلاقة واضحة بين مقياس الإنسان والفضاء، أحاسيس لا تنحصر مديات تأثيرها على العلاقة الرياضية بين الحاوي والمحتوى بل يمتد تأثيرها إلى صياغة طبيعة الممارسات الحياتية استطاعت العمارة الاسلامية ان تؤسس لحضارته العالمية وتعبر عن ايديولوجية جديدة فتأسس المسجد ليس تعبير عن اعلاء صوت الله جل جلاله في المئذنة فحسب ولكن لرغبته في ان يؤكد حضوره الحسي في فضاء المكان،ويكون المسجد في المدن الاسلامية هو القلب الذي تتوزع منه شوارع المدينة التي تكون بوابات الدخول اليها تعبيرا رمزيا عن اهمية المكان , حدد الإسلام للسلوك الإنساني أسس تصميمة وأوجد عناصر معمارية ذات وظائف متعددة لبناء احتياجات العمارة الإسلامية وأعطى صورة متغيرة متنوعة فى الشكل والتشكيل  , فحققت بذلك العمارة حاجتين الأولى وظيفية والأخرى حسية وروحية. لذا فقد يستوقف القارىء سؤالا مهم كيف يمكن للمباني وحجارتها ان تكون معبرا صادقا لقيم شعوب وكيف لها ان تحقق مبادءى انطلقت من الدين ؟
المقياس و العمارة الإسلامية  
ان الفكر الإسلامي يعتمد على توجه واضح وصريح حول طبيعة المقياس الذي ينبغي اعتماده انعكاسا لثلاث قيم إسلامية هي: التواضع والبساطة: قال تعالى {وَلا تـُصَعِّرْ خـَدَّكَ لِلنـَّاس وَلا تـَمْش في الأرْض مَرَحا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كـُلَّ مُختـَال فـَخـُور}، (لقمان، آية(18)).و العدالة والمساواة: قال تعالى {إنَّ أكـْرَمَكـُمْ عِنـْدَ اللهِ اتـْقاكـُمْ}، (الحجرات، آية (13)).والإنسانية: قال تعالى {وَلقـَدْ كـَرَّمْنـَا بَني آدَمَ}، (الإسراء، (70)).إذ أعطى الإسلام للإنسان قيمة عليا في الوجود، “حيث أصبح هو المركز للكون ومكان العناية الذي سخر له كل شيء .  

يعرف المقياس بانه عملية مقارنة (Comparing) او مماثلة مع مرجع ثابت او معيار، ويقسم المقياس الى ثلاثة مفاهيم هي، المقياس الميكانيكي  (Mechanical scale) وهو يشير الى مقارنة حجوم الاشياء بالنسبة لثوابت قياسية والثاني هو المقياس البصري (Visual Scale) وهو حجم او تناسب العناصر مع عناصر اخرى معرفة الحجم والقياس، والاخير هو المقياس الإنساني , وقد اختلفت مصادر المقياس واليات تكوينه من عمارة الى أخرى , فنجد ان أهتم العرب كثيرا بالإنسان وعلاقته بالعمارة فإخوان الصفا عرضوا دراسة وصفوا بها جسم الإنسان ونسبه وبنية هيكله وبينوا تفاصيل هذا التناسب بين جميع أجزاء الجسم. وبينوا إن كل عضو في الجسد له عنصر شبيه في الدار، فالرجلان وقيام الجسد عليهما ( كأساس الدار)، والرأس في أعلى البدن (كالغرفة في أعلى الدار (العلية))، والظهر (كظهر الدار (الواجهة الخلفية))، والرقبة (كرواق الدار) وهكذا.., اما في العمارة الإسلامية فاننا نجد ان احترام العمارة العربية الإسلامية للمقياس الإنساني، ليس المقصود به فقط المقياس الشكلي ونسب الإنسان. “ولا يعني هذا القيم الأخلاقية المثالية فقط، بل يعني حلم الإنسان وإسقاطاته، إنه التعبير عن تاريخ الإنسان وحضارته وثقافته ومعتقده، إنه أشبه باللغة .

اما المعمار المسلم في هذه العمارة  نجد انه احترم المقياس الإنساني لمبانيه، وذلك من خلال ارتباط ارتفاع المباني والفتحات بالإنسان وهذا انعكاس للقيم الإسلامية (التواضع والبساطة، العدل والمساواة، والإنسانية)وتحريم الاسراف والتبذير وقد ذمت الاحاديث النبوية التباهي والتفاخر ودعت الى عدم التطاول في البنيان والبناء على قدر الحاجة والمنفعة . فالمشاعر والأحاسيس الانطباعية للعمارة لا تحكمها قواعد هندسية حسابية مجردة، بحيث غدا حدس المصمم وبراعته وحكمته المؤشر الأمثل لخلق تصاميم تتسم بالبراعة في التعامل مع البعد الإنساني في حين ان الأبنية الواطئة الارتفاع والشوارع الضيقة (الأزقة) ونسبها المأخوذة من جسم الإنسان كانت جميعها مخصصة لخدمة الإنسان وكانت موظفة باتجاه تعميق إنسانية الإنسان وأحاسيسه بوجوده ودوره في المجتمع. اما لجوء بعض الخلفاء والملوك في العصور الإسلامية المختلفة إلى استخدام الصرحية في أبنيتهم، لم يمنعهم ولا بأي شكل من الأشكال بأن لا يخلقوا في عمائرهم البعد الإنساني، فقد أكدت المباني على مبدأ المقياس الإنساني ضمن المقياس الصرحي، وذلك بالتأكيد على اسلوب التدرج في المقياس، فتمت معالجة السطوح الصلدة ذات الإيقاع والسمة النصبية بالمعالجات المعمارية من ناحية تكرار العناصر، أو تفاصيل الكتل أو التدرج أو النقوش أو الزخارف ألجداريه، التي اشتهرت بها العمارة العربية الإسلامية,.كما أن لجوء المعمار المسلم إلى هذه الطريقة وتوزيع العناصر بطريقة منطقية تجمع بين وحدة التصميم وتعدد العناصر التي ينبغي أن تنشأ عند تزايد الحجم، جعلته يحافظ على المقياس الإنساني للمبنى . إن مبدأ التهشيم التركيبي الذي يقصده ويبتغيه المعمار العربي بوسائل مختلفة هو الذي يفسر طبيعة الإلحاح والولع المغاليين باستخدام الزخرفة وشيوعها في جميع عناصر المبنى وليس مرده نظرة العربي وخوفه ووجله من ’’الفراغ‘‘ كما يدعي بعض الباحثين الأوربيين. ,.اضافة تجزئة الكتلة الى كتل اصغر: تهشيم الكتلة وتجزئة الفراغ الداخلي باضافة عناصر انشائية كان لاستخدام الأعمدة في تقسيم الفضاء دور كبير بربط الحرم (في المساجد) بالمقياس الإنساني، بالشكل الذي لا يشعر فيه المسلم بالضياع داخل المصلى رغم مساحته الواسعة، كما في مسجد سامراء الكبير ومسجد قرطبة وغيرها من المساجد الجامعة .

وأخيرا يمكننا القول الى ان العمارة الإسلامية عمارة حية ومتاصلة لايمكن ان تحصر بزمان او مكان بل هي امتداد حي للقيم الإنسانية ومعبرا حقيقيا عنها , انتجت مباني حية ونابضة وكانت انعكاسا للقيم والمبادئ العظيمة للاسلام بل وتميزت بالمرونة والتفاعل مع عمارات الحضارات الأخرى والمقياس الإنساني هو احد المفاهيم التي جسدتها العمارة الإسلامية في مبانيها لتكون صورة معبرة عن المجتع الذي انتمت اليه .

المصادر
  1.  إبراهيم ,عبد الباقي ,”المنظور الاسلامي للنظرية المعمارية” مركز الدرا سات التخطيطية والمعمارية، القاهرة، 1986
  2. فنتوري ، روبرت ” التعقيد والتناقض في العمارة” ، ترجمة سعاد عبد علي مهدي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1987 ، ص 30
  3.  شراد، حسين علي (المقياس الانساني في تشكيل النسيج الحضري)، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، مركز التخطيط الحضري والاقليمي – 1999.
  4.  Ching, F. D.K. (Architecture : Form, Space And Order) Van Nostrand Reihold Company – 1997
  5.  العابد ، بديع يوسف /المهندس الاردني  2002
  6.  العمري،د.حفصة رمزي ،(اثر الدين الاسلامي على تشكيل انماط ابنية العمران)،رسالة دكتوراه 2000
  7.  الزبيدي، مها صباح، (القوس في العمارة الإسلامية)، 1990، رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم الهندسة المعمارية في جامعة بغداد.
  8.  كمونة، حيدر، (التراث المعماري وخصوصية المدينة العربية المعاصرة)، 1989، ندوة الخصوصية الوطنية في العمارة العربية المعاصرة، بغداد
  9.   العبادي , نقاء نضال ,(المقياس الاتساتي في العمارة العراقية المعاصرة ),رسالة ماجستير غير منشورة 2006
  10.  عكاشة، د.ثروت، القيم الجمالية في العمارة الاسلامية، دار الشروق، الطبعة الاولى، القاهرة، 1994.
  11.  السلطاني، خالد، (حديث في العمارة)، 1985، الموسوعة الصغيرة عدد (156)، دار الحرية للطباعة، بغداد

إقرأ ايضا